الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لإصرارهم على الكفر والتكذيب {وَلاَ تَكُن في ضَيْقٍ} أي في حرج صدر {مّمَّا يَمْكُرُونَ} أي من مكرهم فإن الله تعالى يعصمك من الناس.وقرأ ابن كثير {ضَيْقٍ} بكسر الضاد وهو مصدر أيضًا، وجوز أن يكون مفتوح الضاد مخففًا من ضيق، وقد قرئ كذلك أي لا تكن في أمر ضيق، وكره أبو علي كون ذلك مخففًا مما ذكر لأنه يقتضي حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وليس من الصفات التي تقوم مقام الموصوف باطراد، وفيه بحث.{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي العذاب العاجل الموعود وكأنهم فهموا وعدهم بالعذاب من الأمر بالسير والنظر في عاقبة أمثالهم المكذبون، ويعلم منه وجه للتعبير يقولون وعدم إجرائه على سنن ما قبله أعني {وقال الذين كفروا} [النمل: 67] وسؤالهم عن وقت إتيان هذا العذاب على سبيل الإستهزاء والإنكار، ولذا قالوا: {إِن كُنتُمْ صادقين} عانين إن كنتم صادقين في إخباركم بإتيانه فبينوا لنا وقته، والجمع باعتبار شركة المؤمنين في الإخبار بذلك.{قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ}.أصل معنى {رَدِفَ} تبع والمراد به هنا لحق، ووصل وهو مما يتعدى بنفسه وباللام كنصح.وقيل: اللام مزيدة لتأكيد وصول الفعل إلى المفعول به كما زيدت الباء لذلك في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195]، وقيل: إن اللام لتضمين {رَدِفَ} معنى دنا وهو يتعدى باللام كما يتعدى بمن وإلى كما في الأساس ولتضمينه ذلك عدى بمن في قوله:
وقيل: اللام داخلة على المفعول لأجله والمفعول به الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه محذوف أي {رَدِفَ} الخلق لأجلكم ولا يخفى ضعفه، وقيل: إن الكلام تم عند {رَدِفَ} على أن فاعله ضمير يعود على الوعد، ثم استأنف بقوله تعالى: {لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} على أن {بَعْضُ} مبتدأ، و{لَكُمْ} متعلق بمحذوف وقع خبرًا له، ولا يخفى ما فيه من التفكيك للكلام والخروج عن الظاهر لغير داع لفظي ولا معنوي، والمعنى قل عسى أن يكون لحقكم ووصل إليكم بعض الذي تستعجلون حلوله وتطلبونه وقتًا فوقتًا، والمراد بهذا البعض عذاب يوم بدر، وقيل: عذاب القبر وليس بذاك، ونسبة استعجال ذلك إليهم بناءًا على ما يقتضيه ما هم عليه من التكذيب والاستهزاء وإلا فلا استعجال منهم حقيقة، والترجي المفهوم من عسى قيل: راجع إلى العباد.وقال الزمخشري: إن عسى ولعل وسوف في وعد الملوك ووعيدهم تدل على صدق الأمر وجده وما لا مجال للشك بعده، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم وأن الرمزة إلى الإغراض كافية من جهتهم، فعلى ذلك جرى وعد الله تعالى ووعيده سبحانه. انتهى.وعليه ففي الكلام استعارة تمثيلية ولا يخفى حسن ذلك، وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال: عسى أن يردفكم الخ لكونه أدل على تحقق الوعد، وقرأ ابن هرمز {رَدِفَ} بفتح الدال وهو لغة فيه. اهـ.
|